قوله جلّ ذكره: {إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَأ يُبَايِعُونَ اللًّهَ}.وهذه البيعة هي بيعة الرضوان بالحديبية تحت سَمُرَة.وذلك أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بعث عثمانَ رضي الله عنه إلى قريش ليُكلِّمَهم فأرجفوا بقَتْلِه. وأتى عروة بن مسعود إلى النبي- صلى الله عليه وسلم- وقال:جئتَ بأوشاب الناس لتفضَّ بَيْضَتَكَ بيدك، وقد استعدت قريش لقتالك، وكانِّي بأصحابك قد انكشفوا عنك إذا مسَّهم حرُّ السلاح! فقال أبو بكر: أتظن أنَّ نسلم رسولَ الله صلى الله عليه وسلم؟فبايعهم النبيُّ صلى الله عليه وسلم على ان يُقاتِلوا وألا يهربوا، فأنزل الله تعالى: {إنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ}: أي عقْدُك عليهم هو عقد الله.قوله جلّ ذكره: {يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيِهمْ}.أي: {يَدُ اللَّهِ}: في المنة عليهم بالتوفيق والهداية: {فَوْقَ أَيْدِيِهمْ} بالوفاء حين بايعوك.ويقال: قدرة الله وقوته في نصرة دينه ونصرة نبيِّه صلى الله عليه وسلم فوقَ نَصْرِهم لدين الله ولرسوله.وفي هذه الآية تصريحٌ بعين الجمع كما قال: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} [الأنفال: 17].قوله جلّ ذكره: {فَمَنَ نَّكَثَ فإِِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ}.أي عذابُ النكثِ عائدٌ عليه.قوله جلّ ذكره: {وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً}.أي من قام بما عاهد الله عليه على التمام فسيؤتيه أجراً عظيماً.وإذا كان العبد بوصف إلخلاصِه، ويعامِل اللَّهَ في شيءٍ هو به متحقِّقٌ، وله بقلبه شاهدٌ فإنَّ الوسائطَ التي تُظْهِرُهاَ أماراتُ التعريفاتِ تجعله محواً في أسرارِه , والحكم عندئذ راجعٌ.قوله جلّ ذكره: {سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الأَعْرَابِ شَغَلَتْنَآ أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا يَقُولُونَ بِأَلْسٍنَتِهِم مَّا لَيْسَ فِى قُلُوبِهِمْ}.لمَّا قَصَدَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إلى الحديبية تخلَّفَ قومٌ من الأعراب عنه. قيل: هم أسلم وجهينة وغفار ومزينة واشجع، وقالوا: {شَغَلَتْنَآ أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا} وليس لنا مَنْ يقوم بشأننا وقالوا: انظروا ماذا يكون؛ فما هم من قريش إلاَّ أكَلَهُ رأسٍ. فلما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءوه مُعْتَذِرين بأنه لم يكن لهم أحدٌ يقوم بأَمورهم! وقالوا: استغفر لنا.فأطلعه الله- سبحانه- على كذبهم ونفاقهم؛ وأنهم لا يقولون ذلك إخلاصاً، وعندهم سواء عليهم استغفرت لهم أم لم تستغفر لهم، فإنهم يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم.قوله جلّ ذكره: {قُلْ فَمَن يَمْلِكُ لَكُم مِّنَ اللَّهِ شَيْئاً إِِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرَأدَ بِكُمْ نَفْعَا بَلْ كَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرَا}.فضَحَهم. ويقال: ما شغل العبد عن الله شُؤمٌ عليه.ويقال: عُذْرُ المماذِقِ وتوبةُ المنافِق كلاهما ليس حقائق.